طلعتـريحتكم بين القاعدة الشعبية والخطاب الطبقي

نزلت اليوم على المظاهرة التي دعت إليها مجموعة تعتمد شعار #طلعتـريحتكم، مع إنو على حد علمي هذا شعار تتبناه قاعدة شعبية غير محصورة بتنظيم محدد. المهم إنو أنا نزلت لسببين: الأول لرغبتي لكون جزء من تحرك شعبي واقعي يتحدى النظام الطائفي بمكمله، والثاني بسبب ضغط ناشطي “الليلة وضحاها” وتنظيرهم على الأشخاص الذين لم يشاركوا في اعتصام البارحة.

قبل ما أنزل، اتصلت ببعض الأصدقاء لأحصل على بعض التفاصيل عن اليوم واحتمال يكون في حدن ممكن انزل معه أو معها. بعرف إنو هناك اجتماع في تعاونية “ضمة” للتنظيم وقمت رحت احضره. ضمن الإجتماع صار كلام عن المطالب اللي ممكن ربطها بهذه التحركات ضمن الهدف الأبعد نحو اسقاط النظام الطائفي الحالي. ولكني بتعرف على معلومتين كتير مهمين:

1- الإجتماع كان مستقل عن منظمي #طلعتـريحتكم ويبدو أنه المنظمين غير مستعدين للمشاركة بهالمطالب “لأنو ما بدهن يسيّسوا القصة”. غريب بس ماشي الحال، بياكل.

2- المعلومة الثانية تتعلق بتجمع كان من المفترض حصوله البارحة لذكرى مجرزة الغوطة في سوريا بالسلاح الكيماوي في ٢٠١٣. التجمع كان المفترض حصوله في ساحة الشهداء البارحة على الساعة ٧:٣٠، أي من بعد المظاهرة. قام اتصل منظمين التجمع بمنظمي المظاهرة واستفسروا منهم إذا بيكملوا بالتجمع أو بيلغوه من بعد الهجوم الذي حصل على المتظاهرين. كان الرد بالطلب منهم بالغاء التجمع بدلاً من جمع النشاطين مع بعض أو حتى افساح مجال للتجمع ليحصل. غريب الإنزواء بس ما شي الحال، كمان بياكل.

المهم إنوأنا نزلت على الساعة ستة على ساحة رياض الصلح. وكنت لحالي فصرت أمشي مع الأشخاص حولي من ساحة الشهداء لرياض الصلح. المشهد كان غريب بس يمكن توقعه. المظاهرة ما كانت جامعة الكل مثل ما كانت أسمع. بدأت أمشي من الجامع والحشود كانت كتير رواق. هيدول مجموعة شباب وصبايا جايين بنظرات الشمس والضحك على شي مش كتير متذكره بس بتذكر إنو كان شي سخيف شوي. وعلى الجهة الثانية حدن نازل مع كلب صغير على رباط. بلشت قول لحالي إنو شكلها ميتة اليوم.

قربت أكتر لوصلت على مكان في باص بنص الطريق وعليه شخصين عم يجربوا يحفزوا العالم ويطلقوا الشعارات. كانت شوي غريبة لإنو أنا معوّد شوف عدة أشخاص يتنابوا على التشجيع كل ما ينبح صوت اللي قبلهم. بس هيدول الإثنين ما تزحزحوا من عن الباص. شوي بيطلعوا ولد عمره مش أكتر من عشر سنين يقول “ما بدي حكم الأزعر”، بيرجعوا بيطلعوا شاب مقعّد ليقلنا إنو هو ما في يمشي بس نزل وبياخذ الميكروفون أحد الأبطال الإثنين ليكبّ شوية تنظير للي ما شاركوا اليوم وبيقول له “ثورة ثورة”، وأخيراً بتطلع واحدة شكلها كانت نازلة لأنها مزعوجة من السوريين أو شي ما فهمت كتير أنو قاموا الأبطال الإثنين بأشطوها الميكروفون وبيصرخوا “ما بدنا عنصرية”. شكراً على عملية الإنقاذ السريعة. من بعدها بلشت أغاني جوليا بطرس والنشيد اللبناني يتخللهما أبطال الباص عم بيقولولنا قديش الكل من طرابلس لشتورة عم يتضامنوا مع المظاهرة ويطلبوا من كل وسائل الإعلام إنو تقرب عليهم بعد عشر دقائق لأنهم رح يلقوا البيان (وما ننسى الكاميرا الطائرة في الأجواء). قررت من بعدها إنوا ما بقدر اتحمل كتير، خصوصي مع الإجتماعيات اللي كانت عن تحصل حولي (يي إطلّعوا مين هوني، حكيني، يي ضيعت كل أرقامكم إنت حكيني).

لما وصلت على الفاصل بين قوى الأمن الداخلي والمتظاهرين، كان المشهد مختلف. صارت الفئة أكثر شعبية، عالم مش كتير “كلاس” متل ورا. شباب شالحين
التي-شيرت ورجال كبار بالعمر مبين من لبسهم إنهم مش طبقة ميّسورة بالدخل المالي. كان في نشاط أكبر بكتير، شباب وصبايا ونسوان ورجال رايحين جايين. الكل عم يصرخ ويشتم بالحكومة والنظام؛ “يا سلام ويا لوطي” و “الليلة ليلة عيد وكس أخت الحكومة واللي ما بيعيد” وغيرها. وكانوا عم بيكبوا كل شي بلاستيك معهم على قوات الردع ولما بلشوا بمدافع الميّ، بلشت الحجارة تنكب من المتظاهرين لترجع من الأمن وتصيب حدن براسه.

سهلة نقول إنو هيدول أشخاص عنصرين وعنفيين ولا-سلميين ومدري شو كمان. بس أنا شفت قصص كتير حلوة كمان:

1- اللي بيوقعوا من قذف الميّ أو الحجارة، بينطوا أربعة يلموهم على جنب أو لعند الإسعاف.

2- لما بيجي واحد يقول لثلاث بنات إنوا صار لازم تطلعوا لما تتأذوا، بيردوا عليه إنو هني باقيين ومتلوا متلهن.

3- لما تصرخ اللي واقفة حدي “وصّل الميّ على البيوت، مش على الشعب يا عكروت” ويرددوا معها الكلّ، بتحس إنوا في كتير منهم عنجد بدهن الميّ توصل على بيتهم من جديد.

4- ولما يطلع شباب وصبايا عم يجربوا يوقفوا اللي بدو يكب الحجرة اللي أصابته من الأمن، بتعرف إنو الكل هون عم يتعلم مش بس شو يعني تحركات سلمية بس ليش مهم نكون سلميين.

المظاهرة اللي أنا نزلت عليها كانت من الفاصل بين قوات الأمن والمتظاهرين لغاية الباص والبطلين اللي ما كنا عم نسمع صوتهم وما رجعت شفتهم وأنا فالل. المظاهرة كانت مفصولة طبقياً وزخمها كان أولها مع تصادم المتظاهرين مع الأمن. زخمها كان عند الفاصل مش على أساس عدد المتظاهرين هونيك. بل بسبب اللي كان عم يحصل من تحوّل ما كنت متخيّل إني يمكن شوفوا شي يوم قريب. أشخاص قرفوا من نظام فاسد فنزلوا واصطدموا مع منظومته الأمنية. شيء خيالي من بعد أجيال عم تنحقن باللا-مبالاة يوم بعد يوم. وعلى الأرض كان الكل عم يتعلم قصص وتكتيكات عن التحركات الشعبية والسلمية واللا-سلمية و غيرها. بعضها قصص صغيرة متل كيف تخلي عينك فوقك لتقدر ترصد الحجارة النازلة وكيف تتمسك بالمعالم الجامدة حولك خلال قذف مدافع الميّ، وبعضها أكبر مثل مكر قوات الأمن اللي عارفة غضبك وناطرتك تكب أي استفزاز لتكبّ بطشها.Screen Shot 2015-08-24 at 12.15.05 AM

في النهاية، ما فيّ نقول غير عيب على كل شخص عم يجرّب يحكي بإسم قاعدة شعبية هو بعيد عنها ويجرب يمحورها حسب أجندة ونظرة ضيقة. عيب نقصي متظاهرين على أنهم “مندسين” لأنهم مش على نفس الطبقة الإجتماعية “المحترمة”. نحن بعدنا عم نتعلم شو تعني تحركات شعبية وشو يعني سلمية وغير سلمية وأهميتها. وهذا هو أحسن شي يمكن عم يطلع من هذه التظاهرات.